فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابورى:

طريق الاكتساب الاستعانة بالحواس ولهذا قيل: من فقد حسًا فقد علمًا. فلما فقدوا فائدة الحواس فكأنهم عدموها خلقة، قال شابور بن أردشير: العقل نوعان: مطبوع ومسموع. فلا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه فإن أحدهما بمنزلة العين والآخر بمثابة الشمس ولا يكمل الإبصار إلا بتعاونهما. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء دعامة ودعامة عمل المرء عقله» فبقدر عقله تكون عبادته لربه. أما سمعتم قول الله عز وجلّ حكاية عن الفجار؟ {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10] وقال: «ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}.
التفسير:
قال الكلبي: نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة، حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. والآية مسوقة لتقرير طرف من جهالات المشركين المتخذين من دون الله أندادًا. وحلالًا مفعول كلوا أو حال مما في الأرض وهو المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه من الحل الذي يقابل العقد. ومنه حل بالمكان إذا نزل، وحل عقد الرحال، وحل الدين وجب لانحلال العقدة بانقضاء المدة، والحلة لأنها تحل عن الطي للبس. وتحلة القسم لأن عقدة اليمين تنحل به. ثم الحرام قد يكون حرامًا في جنسه كالميتة والدم، وقد يكون حرامًا لعرض كملك الغير إذا لم يأذن في أكله، فالحلال هو الخالي عن القيدين، والطيب إن أريد به ما يقرب من الحلال لأن الحرام يوصف بالخبيث {قل لا يستوي الخبيث والطيب} [المائدة: 100] فالوصف لتأكيد المدح مثل {نفخة واحدة} [الحاقة: 13] أي الطاهر من كل شبهة. ويمكن أن يراد بالطيب اللذيذ، أو يراد بالحلال ما يكون بجنسه حلالًا وبالطيب ما لا يتعلق به حق الغير. والخطوة بالضم ما بين قدمي الخاطي كالغرفة بالضم اسم لما يغترف والفعلة بالضم والسكون إذا كانت اسمًا تجمع في الصحيح بسكون العين وضمها. يقال: اتبع خطواته ووطئ على عقبه إذا اقتدى به واستن بسنته {مبين} ظاهر العداوة لا خفاء به {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين} [ص: 82] {لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} [الأعراف: 16- 17] {إنما يأمركم بالسوء والفحشاء} السوء متناول جميع المعاصي من أفعال الجوارح وأفعال القلوب، والفحشاء هي التي جاوزت الحد في القبح فلهذا قد تحقق الأول بما لم يجب فيه الحد والثاني بما يجب فيه الحد {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} وهذا أقبح الكل لأن وصف الله تعالى بما لا ينبغي من أعظم الكبائر فهذه الآية كالتفسير لقوله: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} والصغائر والكبائر والكفر والجهل كلها من مأمورات الشيطان، بل لا يأمر الشيطان إلا بهذه الأمور بدليل إنما وهي للحصر وقد يدعو الشيطان إلى الخير ظاهرًا وغرضه أن يجرّه إلى الشر آخرًا مثل أن يجرّه من الأفضل إلى الفاضل فيتمكن بعد ذلك أن يجرّه إلى الشر.
ومثل أن يجره من الفاضل السهل إلى الأفضل الأشق ليصير ازدياد المشقة سببًا لتنفره عن الطاعة. ويدخل في قوله: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} جميع المذاهب الباطلة والعقائد الفاسدة وقول الرجل هذا حلال وهذا حرام بغير علم بل يتناول مقلد الحق لأنه وإن كان مقلدًا للحق لكنه قال ما لا يعلم فصار مستحقًا للذم من جهة أنه قادر على تحصيل العلم بالحق، ثم إنه قنع بالظن والتخمين. ومعنى أمر الشيطان وسوسته وقد سلف في شرح الاستعاذة، وفي التعبير عن وسوسته بالأمر رمز إلى أنكم منه بمنزلة المأمورين لطاعتكم أو قبولكم وساوسه. وإذا كان الآمر المطاع مرجومًا مذمومًا فكيف حال المأمور المطيع؟ وفي هذا معتبر للبصراء ومزدجر للعقلاء أعاذنا الله بحوله وأيده من مكر الشيطان وكيده. {وإذا قيل لهم} أي للمتخذين من دون الله أندادًا أو للناس. والالتفات إلى الغيبة للنداء على ضلالتهم كأنه يقول للعقلاء: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون: وعن ابن عباس: نزلت في اليهود حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقالوا: نتبع ما ألفينا أي وجدنا عليه آباءنا، فإنهم كانوا خيرًا منا وأعلم. وقد يعود الضمير إلى المعلوم كما يعود إلى المذكور، وعلى هذا فالآية مستأنفة. وإنما خص هذا الموضع بقوله: {ألفينا} لأن ألفيت يتعدى إلى مفعولين ألبتة فكان نصًا في ذلك فورد في الموضع الأول على الأصل. واقتصر في المائدة ولقمان على لفظ وجدنا المشترك بين المتعدي إلى واحد والمتعدي إلى اثنين اكتفاء بما ورد في الأول مع تغيير العبارة عارضوا ما أنزل الله من الدلائل الباهرة بالتقليد فما أغفلهم وأنفسهم فلا جرم أجاب الله تعالى بقوله: {أو لو كان} الواو للعطف لا للحال على ما وقع في الكشاف، والهمزة للرد والتعجب وفعل الاستفهام، محذوف وكذا جواب الشرط، أيتبعونهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا من الدين ولا يهتدون للثواب، أيتبعونهم أيضًا؟ وتقرير الجواب أن يقال للمقلد: أعرفت أن المقلد محق أم لا. فإن لم تعرف فكيف قلدته مع احتمال كونه مبطلًا، وإن عرفت فإما بتقليد آخر ويستلزم التسلسل، أو بالعقل فذلك كافٍ في معرفة الحق والتقليد ضائع. وأيضًا علم المقلد إن حصل بالتقليد تسلسل، وإن حصل بالدليل فإنما يتبعه المقلد إذا علم ذلك الدليل أيضًا وإلا كان مخالفًا فظهر...... فقال وضلال {ومثل الذين كفروا} فيه للعلماء طريقان: أحدهما تصحيح المعنى بإضمار إما في المشبه أي مثل من يدعو الحق كمثل الذي ينعق يقال: نعق الراعي بالضأن إذا صاح بها. وأما نغق الغراب فبالغين المعجمة شبه الداعي إلى الحق براعي الغنم والكفرة بالغنم ووجه التشبيه أن البهيمة تسمع الصوت ولا تعلم المراد، وهؤلاء الكفار يسمعون صوت الرسول وألفاظه وما كانوا ينتفعون بها فكأنهم لا يفهمون معانيها.
وإما بإضمار في المشبه به أي مثل الذين كفروا كبهائم الذي ينعق الطريق. الثاني: التصحيح بغير إضمار أي مثلهم في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع، لكن قوله: {لا دعاء ونداء} لا يساعد عليه لأن الأصنام لا تسمع شيئًا. أو مثلهم في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه عند الجبل فإنه لا يسمع إلا صدى صوته. فإذا قال: يا زيد. يسمع من الصدى يا زيد، فكذلك هؤلاء الكفار إذا دعوا الأوثان لا يسمعون إلا ما تلفظوا به من الدعاء والنداء. أو مثلهم في قلة عقلهم حيث عبدوا الأوثان كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم. فكما أن الكلام مع البهائم دليل سخافة العقل فكذلك عبادتهم لها أي ومثلهم في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل الذي يتكلم مع البهائم، فكما أن ذلك عبث ضائع فكذا تقليدهم واتباعهم {صم} عن استماع الحق والانتفاع به {بكم} عن إجابة الداعي إلى سبيل الخير {عمي} عن النظر في الدلائل {فهم لا يعقلون} العقل المسموع ولا المطبوع وذلك أن طريق الاكتساب الاستعانة بالحواس ولهذا قيل: من فقد حسًا فقد علمًا. فلما فقدوا فائدة الحواس فكأنهم عدموها خلقة، قال شابور بن أردشير: العقل نوعان: مطبوع ومسموع. فلا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه فإن أحدهما بمنزلة العين والآخر بمثابة الشمس ولا يكمل الإبصار إلا بتعاونهما. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء دعامة ودعامة عمل المرء عقله» فبقدر عقله تكون عبادته لربه. أما سمعتم قول الله عز وجلّ حكاية عن الفجار؟ {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10] وقال: «ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

عدموا سمع الفهم والقبول، فلم ينفعهم سمع الظاهر، فنزلوا منزلة البهائم في الخلوِّ عن التحصيل، ومَنْ رضي أن يكون كالبهيمة لم يقع عليه كثير قيمة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)}.
والذي ينعق هو الذي يصوت ويصرح للبهائم، وهو الراعي، إذن، فكلمة ينعق أعطتنا صورة راع يرعى بهائم. وكان هذا الصياح من الراعي ليلفت الماشية المرعية لتسير خلفه، وهو لا يقول لها ما يريده أن تفعله، وإنما ينبهها بالصوت إلى ما يريد، ويسير أمامها لتسير خلفه إلى المرعى أو إلى نبع الماء، فالنداء لفتة ودعاء فقط، لكن ما يراد من الدعاء يصير أمرا حركيا تراه الماشية. فكأن الماشية المرعية لا تفهم من الراعي إلا النداء والدعاء، إنما دعاء ونداء لماذا؟ فهي لا تعرف الهدف منه، إلا بأن يسلك الراعي أمامها بما يرشدها. وهكذا نفهم أن هناك راعيا، وماشية، وصوتا من الراعي وهو مجرد دعاء ونداء.
مقابل هؤلاء الثلاثة في قضيتنا هو الرسول حين يدعو فيكون هو الراعي ويدعو من؟، يدعو الرعية الذين هم الناس. وبماذا يدعو الرعية؟. أيناديها فقط لتأتيه، أم يناديها لتأتيه ويأمرها بأشياء؟. إنه يأمرها باتباع منهج السماء. وهذا هو الفارق بين الراعي في الماشية والراعي في الآدميين. فعندما يأتي الرسول ويقول: يا قوم إني لكم رسول، وإني لكم نذير، فهذا هو الدعاء، ومضمون ذلك الدعاء هو {اعبدوا الله}. {انظروا في السماء والأرض}، افعلوا كذا من أوامر وانتهوا عن تلك النواهي، هذا ما يريده الرسول.
إذن فالرسول يشترك مع الراعي في الدعاء والنداء، وهم اشتركوا مع المرعى في أنهم لم يفهموا إلا الدعاء والنداء فقط، وفي الاستجابة هم {صم بكم عمي}، فالمدعو به لم يسمعوه، وكأنهم اشتركوا مع الحيوان في أنهم لا يستمعون إلا للدعاء والنداء، إنما المدعو به ومضمون النداء هم لا يعقلونه ولا يفهمونه. وبكم لا ينطقون بمطلوب الدعوة وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وليس عندهم عقل يدير حركة العيون لينظروا في ملكوت السماوات والأرض ليظهر لهم وجه الحق في هذه المسألة.
إذن فمثل الذين كفروا بالرسول كمثل الماشية مع الراعي، فهم لا يسمعون إلا مجرد الدعاء، كما أن الماشية تسمع الراعي ولا تعقل، مع الفارق؛ لأن الدواب ليس مطلوبا منها أن ترد على من يناديها. ولا تسمع غير ذلك من المدعو به لذا كان الكافرون شر الدواب. وقوله الحق: {صم} أي مصابون بالصمم؛ وهو آفة تمنع الأذن من أداء مهمتها.
و{بكم} أي مصابون بآفة تصيب اللسان؛ فتمنعه من أداء مهمته، إلا أن السبب في الصمم سبب إيجابي، لأن هناك شيئا قد سد منفذ السمع فلا تسمع، وبسبب الصمم فهم بكم، والبكم هو عجز اللسان عن الكلام، لأن الإنسان إن لم يسمع فهو لن يتكلم. ولذلك فإن الإنسان إذا وجد في بيئة عربية فهو يتكلم اللغة العربية، وإذا نشأ الإنسان في بيئة إنجليزية فهو يتكلم لغة إنجليزية. وهب أنك قد نشأت في بيئة تتكلم العربية ثم لم تسمع كلمة من كلماتها هل تتكلم بها؟ لا.
إذن فاللسان ينطق بما تسمعه الأذن، فإذا لم تسمع الأذن لا يتكلم اللسان. والصمم يسبق البكم، ولذلك فالبكم هو آفة سلبية، وتجد أن اللسان يتحرك ويصوت أصواتا لا مدلول لها ولا مفهوم. فهل نفهم من قوله تعالى عنهم: {صم} أنهم مصابون بالصمم؟. لا. إن الحق يقول: لقد جعلت الأذن لتسمع السماع المفيد؛ فكأنها معطلة لا تسمع شيئا. وكذلك اللسان أوجدته ليتكلم الكلام المفيد، بحيث من لا يتكلم به كأنه أبكم، والعقل أوجدته ليفكر به؛ فإذا لم يفكر تفكيرا سليما منطقيا، فكأن صاحبه لا عقل له. فالأصم حقيقة خير من الذي يملك حاسة السمع ولا يفهم بها، لأن الأصم له عذره، والأبكم كذلك، والمجنون أيضا له عذره، فليت هؤلاء الكفار كانوا كذلك، لقد صموا آذانهم عن سماع الدعوة، وهم بكم عن النطق بما ينجيهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وهم عمي عن النظر في آيات الكون، فلو أن عندهم بصر لنظروا في الكون كما قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190)} سورة آل عمران.
فلو أنهم نظروا في خلق السماوات والأرض؛ لاهتدوا بفطرتهم إلى أن لهذا الوجود المتقن المحكم صانعا قد صنعه، لكنهم لا يعقلون، لأن عملية العقل تنشأ بعد أن تسمع، وبعد اكتمال الحواس، ولذلك فالإنسان في تكوينه الأول حركي حسي، يرى ويسمع ويتذوق ثم يتكون عنده من بعد ذلك القضايا العقلية.
ويقول الحق بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}. اهـ.

.موعظة:

على العاقل أن يتدارك حاله بسلوك طريق الرضى والندم على مضى، ويزكى نفسه عن سفساف الأخلاق ويصفى قلبه إلى أن تنعكس إليه أنوار الملك الخلاق، وذلك لا يحصل غالبا إلا بتربية كامل من أهل التحقيق؛ لأن المرء محجوب عن ربه، وحجابه الغفلة وهى وإن كانت لا ترفع ولا تزول إلا بفضل الله تعالى لكنه بأسباب كثيرة ولا اهتداء إلى علاج المرض إلا باشارة حكيم حاذق، وذلك هو المرشد الكامل فإذا يزول الرين عن القلب وتنفتح روزنة البال إلى الغيب فيكون إقرار السالك تحقيقا لا تقليدا، وتوحيده تجريدا وتفريدا، فحينئذ يعكس الأمر فيكون أصم عن سماع أخبار ما سوى المحبوب الحقيقى، أبكم عن إفشاء سر الحقيقة، أعمى عن رؤية الأغيار في هذه الدار الفانية.
اللهم خلصنا من التقليد وأوصلنا إلى حقيقة التوحيد إنك حميد مجيد. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} قال: كمثل البقر والحمار والشاة، إنْ قلت لبعضهم كلامًا لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: مثل الدابة تنادي فتسمع ولا تعقل ما يقال لها، كذلك الكافر يسمع الصوت ولا يعقل.
وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} قال: شبه الله أصوات المنافقين والكفار بأصوات البهم، أي بأنهم لا يعقلون. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت بشر بن أبي حازم وهو يقول:
هضيم الكشح لم يغمز ببوس ** ولم ينعق بناحية الرياق

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {كمثل الذي ينعق} قال: الراعي {بما لا يسمع} قال: البهائم {إلا دعاء ونداء} قال: كمثل البعير والشاة تسمع الصوت ولا تعقل.
وأخرج وكيع عن عكرمة في قوله: {ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} [البقرة: 174] إلى قوله: {فما أصبرهم على النار} [البقرة: 175]. اهـ.